قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الذين في قُلوبهم مَرَضٌ} أي: نفاق {أنْ لن يُخْرِجَ اللهُ أضغانَهم} قال الفراء: أي: لن يُبْدِيَ اللهُ عداوتَهم وبُغْضَهم لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال الزجاج: أي: لن يُبْدِيَ عداوتَهم لرسوله صلى الله عليه وسلم ويُظْهِرَهُ على نفاقهم.{ولو نشاء لأرَيْناكهم} أي: لعرَّفْناكهم، تقول: قد أرَيْتُكَ هذا الأمر، أي: قد عرَّفْتُك إيّاه، المعنى: لو نشاء لجَعَلْنا على المنافقين علامة، وهي السّيماء {فلَعَرَفْتَهم بِسِيماهم} أي: بتلك العلامة {وَلتَعْرَفَنَّهم في لَحْنِ القَوْلِ} أي: في فحوى القَوْل، فدلَّ بهذا على أن قول القائل وفعله يدُلُّ على نِيَّته. وقولُ الناس: قد لَحَنَ فلانٌ، تأويله: قد أَخذ في ناحية عن الصواب، وَعدَلَ عن الصواب إِليها، وقول الشاعر:مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أَحْيا *** ناً وخَيْرُ الحديثِ ما كانَ لَحْناتأويله: خير الحديث من مِثْل هذه ما كان لا يعرفه كلُّ أحد، إِنما يُعْرََفُ قولها في أنحاء قولها. قال المفسرون: وَلتَعْرِفَنَّهم في فحوى الكلام ومعناه ومقْصَده، فإنهم يتعرَّضون بتهجين أمرك والاستهزاء بالمسلمين. قال ابن جرير: ثم عرَّفه اللهُ إيّاهم.قوله تعالى: {وَلنَبْلُوَنَّكم} أي: وَلنُعامِلَنَّكم معامَلةَ المُخْتَبِر بأن نأمرَكم بالجهاد {حتَّى نَعْلَم} العِلْم الذي هو عِلْم وجود، وبه يقع الجزاء؛ وقد شرحنا هذا في [العنكبوت: 3].قوله تعالى: {وَنبْلُوَ أَخبارَكم} أي: نُظْهِرها وَنكْشِفها باباء من يأبى القتال ولا يَصْبِر على الجهاد. وقرأ أبو بكر عن عاصم: {وَليَبْلُوَنَّكم} بالياء {حتى يَعْلَمَ} بالياء {ويَبْلُوَ} بالياء فيهن. وقرأ معاذ القارئ، وأيوب السختياني: {أخياركم} بالياء جمع خير.قوله تعالى: {إِن الذين كَفَروا..} الآية اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.أحدها: أنها في المُطْعِمِين يومَ بدر، قاله ابن عباس.والثاني: أنها نزلت في الحارث بن سويد، ووحوح الأنصاري، أسلما ثم ارتدّا، فتاب الحارث ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى صاحبه أن يَرْجِع حتى مات، قاله السدي.والثالث: أنها في اليهود، قاله مقاتل.والرابع: أنها في قريظة والنضير، ذكره الواحدي.قوله تعالى: {ولا تُبْطِلوا أعمالكم} اختلفوا في مُبْطِلها على أربعة أقوال.أحدها: المعاصي والكبائر، قاله الحسن.والثاني: الشَّكّ والنِّفاق، قاله عطاء.والثالث: الرِّياء والسُّمعة، قاله ابن السائب.والرابع: بالمَنّ، وذلك أن قوماً من الأعراب قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك طائعين، فلنا عليك حق، فنزلت هذه الآية. ونزل قوله: {يَمُنُّونَ عليكَ أن أَسْلَموا} [الحجرات: 17]، هذا قول مقاتل. قال القاضي أبو يعلى: وهذا يدُلُّ على أن كُلُّ مَنْ دخل في قُرْبَة لم يَجُزْ له الخُروج منها قبل إِتمامها، وهذا على ظاهره في الحج، فأما في الصلاة والصيام، فهو على سبيل الاستحباب.